القراءة- مفتاح الرقي الحضاري وجودة الحياة في العالم العربي.
المؤلف: بشرى فيصل السباعي11.08.2025

في العالم الغربي، تمتاز البرامج التلفزيونية والإذاعية، سواء الصباحية أو المسائية، وحتى تلك التي يقدمها فنانون كوميديون، بفقرة ثابتة ومهمة: استعراض لأحدث الإصدارات الأدبية في الأسواق. يتم خلال هذه الفقرة استضافة المؤلفين ومناقشة أعمالهم، مما يسهم في التعريف بالكتب وتشجيع القراءة. في المقابل، تفتقر البرامج العربية، في غالبيتها العظمى، إلى هذه الميزة القيمة. هذا الغياب الإعلامي يُعتبر من الأسباب الرئيسية وراء تدني مستويات القراءة في العالم العربي؛ إذ لا يولي الإعلام والصحافة أي اهتمام يُذكر بالترويج للكتب.
على سبيل المثال، نجد أن الصحف الغربية تنشر قوائم بأكثر الكتب مبيعاً، مما يساعد القراء على اختيار الكتب الجيدة والمشهورة. لكن، للأسف، لا توجد صحيفة واحدة، سواء سعودية أو عربية، تقوم بهذا الدور. تجدر الإشارة إلى أن انخفاض معدل قراءة الكتب ليس مجرد مؤشر سلبي على ضعف الثقافة العامة وتراجع دور المعرفة والفكر والعلوم في حياة الناس، بل يتعدى ذلك ليشمل جوانب أكثر أهمية. فالقراءة تلعب دوراً محورياً في تحسين سلوك الأفراد وتطوير شخصياتهم.
الشخص الذي يقرأ كتباً عن العلاقات الزوجية، على سبيل المثال، يصبح زوجاً أفضل وأكثر تفهماً. والأم والأب اللذان يقرآن كتباً عن التربية، يصبحان أكثر قدرة على تربية أبنائهما بطريقة صحيحة وسليمة. والموظف الذي يقرأ كتباً عن التنمية الذاتية، يصبح أكثر كفاءة وإنتاجية في عمله. والشخص الذي يقرأ كتباً نفسية وكتب الحكمة، يصبح إنساناً أفضل وأكثر نضجاً.
لذا، فإن ضعف الإقبال على قراءة الكتب له آثار مادية ومعنوية سلبية على مختلف جوانب الحياة. فالشخص الذي لا يقرأ كتب التربية، غالباً ما يعتمد على أساليب عشوائية وغير مدروسة في تربية أبنائه، وقد يلجأ إلى العنف والشدة دون إدراك للعواقب الوخيمة لهذه الأساليب. والجهل بالثقافة الزوجية هو سبب رئيسي لارتفاع معدلات الطلاق في مجتمعاتنا. صحيح أن هناك اقتراحات بإلزام المقبلين على الزواج بحضور دورات توعوية، إلا أن هذه الدورات لا يمكن أن تغني عن القراءة المتعمقة للكتب.
كذلك، فإن التهرب من توطين الوظائف يعزى، بحسب أصحاب العمل، إلى افتقار المواطنين لثقافة العمل. هذا النقص يؤدي إلى كثرة التسرب الوظيفي. في المقابل، تعمل كتب التنمية الذاتية على ترسيخ ثقافة الالتزام بالعمل وتعزيز المسؤولية. إن انتشار التصرفات الحمقاء وغياب الحكمة في سلوكيات الكثير من الأفراد، مثل كثرة المشاجرات وحالات الطلاق التي تحدث في نهار رمضان، وجرائم القتل التي ترتكب لأسباب تافهة، يعكس هشاشة التركيبة العقلية والنفسية لدى هؤلاء الأشخاص، نتيجة لافتقارهم إلى علم الحكمة والتربية النفسية والعقلية.
الثقافة العامة السائدة في أي مجتمع هي عنصر أساسي من عناصر جودة الحياة. هذه الثقافة تتأثر بشكل كبير بمعدل قراءة الكتب. فالكتب قادرة على معالجة الأنماط السلبية السائدة وتصحيحها، وجعل الناس أفضل من جميع النواحي. هناك دول اشتهرت بحسن المعاملة وكرم الضيافة، مثل اليابان، وهذا يساهم في رفع مستوى جودة الحياة فيها وتشجيع السياحة. وهناك دول أخرى اشتهرت بسوء المعاملة والأخلاق، لدرجة أن هذا أصبح سبباً رئيسياً لعزوف السياح والمستثمرين عنها.
إن معظم تعليقات ومقاطع الفيديو التي ينشرها السياح عن تجاربهم في هذه الدول تركز على السلبيات المتعلقة بالمعاملة وسوء الأخلاق. وهذا يدل على أن سلبية الثقافة السائدة ونوعية العقلية والنفسية السائدة لها أضرار مادية، بالإضافة إلى الأضرار المعنوية. ولا يوجد شيء يمكن أن يصلح أخلاق الناس ويحسن سلوكهم أفضل من القراءة.
إن ضعف مبيعات الكتب، الناتج عن غياب التغطية الإعلامية والصحفية المناسبة، يمنع المؤلفين من التفرغ للكتابة، ويضطرهم إلى العمل في وظائف أخرى لتأمين دخل مادي. وهذا يؤثر سلباً على جودة إنتاجهم الأدبي، إذ لا يجدون الوقت الكافي لتحسين جودة أعمالهم والاطلاع على مصادر المعرفة والثقافة. هذا هو السبب الرئيسي للفارق الكبير بين مستوى الكتب العربية والكتب الأجنبية؛ فالمؤلف الأجنبي لديه الوقت الكافي للتفرغ للكتابة والإبداع.
لذا، يجب أن يكون هناك قوائم بأكثر الكتب مبيعاً في الصحف والمجلات والبرامج التلفزيونية والإذاعية. ويجب أن تكون هناك تغطيات ومراجعات للكتب، ومقابلات مع المؤلفين. ويجب تخصيص فقرة في البرامج التلفزيونية والإذاعية لاستعراض أحدث الكتب، كما هو الحال في الغرب. يجب أن يتحول العرب إلى أمة شغوفة بالقراءة، لكي تتحسن أحوالهم وتزدهر مجتمعاتهم.
